بحسب تقرير شركة «ومضة»، بلغ حجم الاستثمارات في عام 2023 بالشركات الناشئة المصرية 608 ملايين دولار موزعة على 90 صفقة. تؤكد هذه الأرقام أن جمع التمويل جزء رئيس من عمل الشركات الناشئة، ولتنفيذه بفاعلية لا بد من فهم كيفية عمل التمويل والجولات الاستثمارية، وآلية الاستعداد لها بكفاءة.
يمكن في بداية الشركة اعتماد المؤسسين على أموالهم الشخصية لتمويلها، لكن في مراحل متقدمة من العمل لا تكون هذه الاستراتيجية كافية، ويكون الأفضل هو البحث عن مستثمر باختلاف أنواع المستثمرين، وذلك للأسباب الثلاثة التالية:
1. طبيعة الشركات الناشئة
تعتمد الشركات الناشئة غالباً على ابتكار نموذج عمل وتحتاج لاختباره في السوق، وهذا يتضمن تعديلات وتطويرات مستمرة حتى الوصول إلى أفضل نموذج، من ثَم تحتاج الشركة إلى أموال ووقت موجه للتجربة فقط، ووجود التمويل يمكنها من تسريع العملية.
2. التكنولوجيا
تعد التكنولوجيا جزءاً أساسياً في عمل الشركات الناشئة، لذا تحتاج الشركة لإنفاق مبالغ كبيرة على الجانب التقني، سواء لبناء المنتج من الصفر أو تطويره، مع ملاحظة أنه قد تحتاج الشركة إلى تعديلات في المنتج إذا تغير نموذج العمل، وهذا يتطلب وجود التمويل.
3. البحث الدائم عن النمو
واحدة من أهم أهداف الشركات الناشئة هو تحقيق النمو السريع في عملها، سواء كان ذلك بزيادة الحصة السوقية في نفس السوق أو التوسع لأسواق أخرى خارجية. وبالطبع هذا النمو يحتاج إلى تكاليف كبيرة على مستوى العمليات والتسويق والتوظيف، ولا يمكن تحقيقه دون تمويل.
يختلف الاستثمار في الشركات الناشئة عن المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فبينما يكون هدف المستثمر في الأخيرة هو تحقيق الأرباح دورياً، فإن هدف المستثمر في الشركات الناشئة هو الحصول على حصص ملكية في الشركة، ولا يهتم بالحصول على أرباح دورية، لكنه ينتظر العائد الأفضل على استثماره من خلال التخارج من الشركة.
مثلاً يستثمر في الشركة بمرحلة ما، وينتظر واحدة من خيارات التخارج Exit في المستقبل، سواء بيع الشركة أو الاستحواذ عليها من شركة أخرى أو طرحها للاكتتاب العام Initial Public Offering، أو حتى عندما يقرر المستثمر بيع أسهمه إلى طرف آخر مهتم بالشراء في أي مرحلة من عمل الشركة.
ولفهم كيفية تضاعف قيمة الاستثمارات والاستفادة التي يحصدها المستثمر، لدينا مثال على شركة «كريم»، وهي واحدة من أقوى وأوضح الأمثلة حول كيف استفاد جميع حملة الأسهم في «كريم» من استحواذ «أوبر» عليها.
في عام 2014 استثمرت مجموعة «الطيار» في شركة «كريم» بقيمة 4.5 مليون دولار، وعند استحواذ «أوبر» على الشركة في عام 2020 حصلت المجموعة على 470 مليون دولار، بل وحصلت على 40% نقداً و60% سندات قابلة للتحويل لأسهم، أي أتيحت لها الفرصة لمتابعة استثمارها في الشركة، مع تحقيق عائد ممتاز على الاستثمار.
بالطبع يدرك المستثمرون وجود احتمالية لفشل الشركة الناشئة، والمخاطرة الكبيرة في هذه العملية، وهذا يجعلهم حريصين قدر الإمكان على تنويع استثماراتهم في مجموعة مختلفة من الشركات، مع حرصهم على فحص ومراجعة كل شركة جيداً لأخذ القرار الصحيح.
الجولة الاستثمارية هي عملية جمع الشركة الناشئة للأموال لاستخدامها في مراحل مختلفة من عمر الشركة. تختلف أنواع الجولات الاستثمارية باختلاف المرحلة والهدف منها، وكلما كانت الجولة الاستثمارية في مرحلة متقدمة من رحلة الشركة، حصلت على تمويل أعلى من المرحلة السابقة. هذه هي أنواع الجولات الاستثمارية:
هذه هي مسميات الجولات الأساسية، وأحيانًا تكون هناك جولات إضافية بين هذه الجولات تسمى جولة الجسر Bridge Round، وهدفها مساعدة الشركة للوصول إلى المرحلة التالية. مثلاً شركة حصلت على تمويل في السلسلة أ، لكن انتهى التمويل وهي لا يزال لم تحقق النمو المنشود في الإيرادات، ولا يمكنها الدخول إلى السلسلة ب بعد، فهنا يمكنها الحصول على جولة الجسر.
لاحظ أن الشركات أحياناً تستخدم هذه المسميات لأغراض تسويقية لجذب المستثمرين أو لتعزيز مكانتها في السوق، في النهاية توجد تفاصيل أعمق تتحكم في كل جولة استثمارية لا فقط المسمى، ولذلك يتطلب الأمر تخطيطاً جيداً للجولة.
كما ذكرنا توجد مخاطرة عالية في الشركات الناشئة عادةً، ولا تنتهي الخطورة بحصول الشركة على تمويل، بل أيضاً تفشل كل 7.5 من كل 10 شركات ناشئة رغم حصولها على تمويل. لذلك يسعى المستثمر لدراسة الشركة جيداً لأخذ قرار الاستثمار، ولهذا توجد عدة عناصر يهتم المستثمر بوجودها وتحليلها، من أهمها:
يتطلب الحصول على جولة استثمارية خوض عديد من الخطوات، وهذا قد يستغرق وقتاً وبالطبع تحتاج الشركة لإنجاز الصفقة في أقرب وقت لتأمين واستمرار عملها، لذلك من الجيد معرفة كيفية قيادة الشركة في هذه العملية، وذلك عبر تنفيذ الخطوات التالية:
الخطوة الأولى: تقييم احتياجك للتمويل
من المهم قبل أي شيء تقييم احتياجك للتمويل، وهذا يشمل تحديد مبلغ الاستثمار الذي تحتاج إلى جمعه وأوجه إنفاقه، إلى جانب أي نقاط أخرى إضافية تحتاج إليها، مثلاً خبرة المستثمر في قطاع معين. سيساعدك ذلك على تحديد الجولة الاستثمارية المعبّرة عن احتياجك واختيار مصادر التمويل الملائمة.
لتقييم احتياجاتك بطريقة واقعية، أنت بحاجة إلى وجود توقعات مالية واضحة لشركتك، فهذا الأساس الذي سيمكنك من تحديد المبلغ الذي تحتاج إليه. بالطبع أنت بحاجة إلى تحديد أولوياتك وكيف ستنفق مبلغ الاستثمار، بحيث يساعدك ذلك عند التفاوض مع المستثمر على مبلغ التمويل.
الخطوة الثانية: تقييم استعدادك للتمويل
مثلما من المهم بالنسبة لك تحديد احتياجاتك من التمويل، فمن المهم أيضاً تقييم استعدادك واستعداد شركتك للتمويل، خصوصاً في حالة قرارك أن تمول شركتك من خلال مستثمرين باختلاف أنواعهم.
من المهم البدء بالتفكير في قدرتك على التعامل مع المستثمرين وتدخلاتهم المحتملة في طريقة إدارة الشركة، ومروراً بالتأكد من وجود شيء مميز لدى شركتك يشجعهم على أخذ قرار الاستثمار، وأخيراً بدعم كل ذلك بالأدلة والتقارير اللازمة للمضي قدماً في الجولة الاستثمارية مثل التقارير المالية الصحيحة.
الخطوة الثالثة: تقييم الشركة
تقييم الشركة هي عملية تحليلية هدفها تحديد قيمة الشركة، وبناءً عليها يُحدد ذلك القيمة التي سيحصل عليها المستثمر في مقابل عدد الأسهم. مثلاً تقييم شركتك 20 مليوناً، وأنت ستمنح المستثمر 10% في مقابل الحصول على تمويل مليونين.
لا تبالغ في تقييم الشركة، لأن المستثمر في النهاية سيسأل عن الأسباب وراء هذا التقييم، فلا بد من تنفيذ هذه الخطوة باحترافية عالية وبناء على منهجية واضحة. من المحتمل أيضاً أن يتفاوض المستثمر لاحقاً على تقليل التقييم للحصول على نفس عدد الأسهم لكن مع دفع قيمة أقل مثلاً، ومن ثَم معرفتك الجيدة بالتقييم ستمكنك من مناقشة الأمر بفاعلية.
الخطوة الرابعة: إعداد العرض الاستثماري Pitch Deck
العرض الاستثماري هو إحدى أهم أدوات جمع التمويل باختلاف المصدر والمبلغ المطلوب، فهو يتضمن تفصيلاً عن شركتك يوضح الجوانب المهمة في عملها، ويحكي قصة شركتك التي تحفز المستثمرين على اتخاذ قرار الاستثمار.
يختلف العرض الاستثماري بحسب مرحلة الشركة، وحتى إذا لم تختلف مكوناته كثيراً، لكن تختلف التفاصيل المطلوبة، أو تكون هناك عناصر بحاجة إلى تركيز عليها أكثر من غيرها لأهميتها في اتخاذ قرار الاستثمار.
مثلاً في عرض شركتك في جولة ما قبل البذرة والبذرة، يكون الأهم هو التركيز على الفكرة ونموذج العمل وفريق عمل الشركة، لأن هذا ما سيهتم به المستثمر لأخذ القرار، بينما في الجولات المتقدمة التي تركز على النمو، تحتاج الشركة إلى توضيح العمليات الحالية وإظهار أنها تحقق الإيرادات. من أهم مكونات العرض الاستثماري:
من المهم ألا يكون العرض تجميعاً للشرائح فقط، بل لا بد من وجود ترابط قوي بينها، لذا رتبها بما يناسب احتياج فكرتك، ويضمن وصول قصتك إلى المستثمر بالطريقة المطلوبة.
الخطوة الخامسة: بناء قاعدة بيانات من المستثمرين المحتملين
من المهم أن تكون لديك استراتيجية محددة عند البحث عن المستثمرين، لأن ذلك يساعدك على استقطاب الخيارات المناسبة لشركتك، ويساعد على إتمام الصفقة. تتضمن عملية البحث عن المستثمرين الآتي:
1. تحديد المستثمرين النشطين في السوق
استفِد من شبكة علاقاتك في معرفة المستثمرين النشطين في السوق، أو تابع أحدث أخبار جولات الاستثمار على المواقع المتخصصة مثل «ومضة» و«جولة»، أو وجود على المجتمعات الخاصة بريادة الأعمال والشركات الناشئة.
2. البحث وراء كل مستثمر
بعد معرفة أسماء المستثمرين، ابحث وراء كل مستثمر جيداً لمعرفة القطاعات التي يستثمر بها، والاستثمارات السابقة، ومبالغ التمويل التي يمنحها للشركات، وأنواع الجولات الاستثمارية التي يركز عليها. يمكنك معرفة هذه البيانات من خلال الموقع الإلكتروني للمستثمر، وأيضاً عبر تحليل أخبار الاستثمار.
3. بناء قاعدة بيانات بالمستثمرين
بعد تجميع هذه المعلومات، من المهم بناء قاعدة بيانات خاصة بك للمستثمرين، تتضمن جميع التفاصيل التي توصلت إليها، وتقسيمها إلى فئات بحسب نوع المستثمر وجميع التفاصيل الأخرى. ستفيدك هذه القاعدة في رحلة شركتك لا فقط في الجولة الاستثمارية الحالية.
الخطوة السادسة: اختيار المستثمرين المناسبين للجولة الحالية
بناءً على الجولة الاستثمارية واحتياجات الشركة، اسعَ لاختيار المستثمر المناسب الذي يضمن لك تحقيق أعلى فائدة من الاستثمار، سواء على المستوى المادي أو الفوائد الأخرى مثل تخصصية المستثمر وشبكة علاقاته وغيرها.
إذا تضمنت قائمتك أكثر من خيار فهذا شيء جيد، تواصل معهم إذا كان ذلك ممكناً، فهذا سيمنحك تنوعاً في الاختيارات، لا سيما وأنه ليس شرطاً انتهاء كل تواصل بقبول للاستثمار، وأيضاً قد تتلقى عروضاً فعلية للاستثمار، لكن ليس شرطاً أن تكون جميعها مناسبة لك.
لا تتسرع في الاختيار واعلم أن هذه العملية قد تحتاج إلى وقت ومجهود، لذا ابحث مرة أخرى بعمق عن كل مستثمر تراه مناسباً، لمعرفة تجربة الشركات التي يستثمر بها، وماذا حققت حتى الآن. وإذا أمكنك التواصل مع أصحاب هذه الشركات لمعرفة تجربتهم بالتفاصيل سيكون ذلك أمراً جيداً.
بالطبع لكل شركة تجربتها الخاصة، لكن في النهاية سيمنحك ذلك رؤية أولية حول مدى ملاءمة الاختيار لك. إذا رأيت أنه قد يكون خياراً مناسباً، ابدأ عملية التواصل مع المستثمر للاتفاق وتقديم العرض الاستثماري ومناقشة التفاصيل معه، وركز على بيع قصتك جيداً لأنها أكثر شيء يهتم به، مع دعم هذه القصة بالأرقام.
الخطوة السابعة: الفحص النافي للجهالة Due Diligence
عندما يتخذ المستثمر قراره بالاستثمار في شركة ما، واحدة من أهم الخطوات التي يجريها هي الفحص النافي للجهالة، وهي ببساطة خطوة يسعى فيها لمراجعة وتدقيق جميع الأوراق والتقارير التي تقدمها شركتك، وبناءً على ذلك يتأكد أولاً من مصداقية المعلومات، وثانياً من مدى ملاءمة خيار الاستثمار له.
لتسهيل تنفيذ هذه الخطوة، عليك إعداد غرفة البيانات Data Room، سواء كانت ملفات في أرض الواقع أو ملفات افتراضية على منصة مثل «جوجل درايف». وفكرة غرفة البيانات ببساطة هي عملية تخزين بيانات شركتك وعرضها بطريقة سهلة وبسيطة وآمنة، بحيث يسهل على المستثمر مراجعتها وتقييم كل ما يحتاج إليه.
الخطوة الثامنة: إتمام الاتفاق
بعد انتهاء المستثمر من مراجعة غرفة البيانات واقتناعه بوجود فرصة للاستثمار في شركتك، سيرسل إليك ورقة الشروط Term Sheet، وهي قائمة تتضمن شروط الاستثمار والتقييم الفعلي الذي يراه للشركة ومبلغ الاستثمار وآلية توفيره، وحصص الملكية المرغوب الحصول عليها، والتغير في الهيكل الإداري للشركة، وقد تتضمن تفاصيل أخرى بحسب الاتفاق.
راجع هذه التفاصيل جيداً وأخبر المستثمر بما لديك من تعليقات، وفي هذه الخطوة لا تجعل هدفك هو إتمام الصفقة فقط، فمن المهم أن تكون الصفقة مجدية لك حقاً. إذا كنت قد تلقيت عدة عروض، فهذا شيء جيد، قارن بين هذه العروض وناقش المستثمرين في ما لديك من تعليقات، وأخيراً اختر الأنسب لشركتك.
الخطوة التاسعة: الإعلان عن الصفقة
عادةً عندما تحصل الشركة على جولة استثمارية، تُنشر أخبار عن ذلك وبالتفاصيل التي تود مشاركتها، لذا احرص قدر الإمكان على حدوث ذلك، والاستفادة من الصفقة تسويقياً وإعلامياً، فهذا سيفيد شركتك بصورة غير مباشرة، وقد يساعدها على انتشار أفضل في السوق وعمل شراكات قوية أو استقطاب كفاءات جديدة للعمل بها، وغيرها من الفوائد.
ختاماً، إذا نجحت في إتمام جولة استثمارية، فتذكر أن الأموال التي حصلت عليها ليست أموالاً شخصية تملكها، فلا بد من وجود خطة واضحة لإنفاقها، تساعد شركتك على تحقيق أهدافها، وتنقلك بنجاح إلى المرحلة التالية في الرحلة، ولا تظن أنّ الجولة الاستثمارية ضمان لنجاحك المستقبلي، فلا بديل عن بذل المجهود باستمرار في شركتك حتى تصل إلى هدفك النهائي المنشود.